علامة تجارية ألمانية تحكي قصة نجاح مهاجر من بلاد الرافدين
بواسطة HADATHA | فبراير 5, 2020 | Stories |
لاجئ عراقي سابق لم يكن يتخيل أن “ينافس” شركات ألمانية بعلامة تجارية مستوحى اسمها من حضارة بلاد ما بين النهرين. هنا قصة مناف الرحال.
“تعلمت في ألمانيا الاعتماد على النفس وعدم الاتكال أو انتظار المساعدة من أحد، حتى من أهلي”، يقول مناف اللاجئ السابق، مضيفاً أنه لم يتخيل في يوم من الأيام أن “ينافس” شركات ألمانية بعلامة تجارية مستوحى اسمها من حضارة بلاد ما بين النهرين.
مناف لاجئ عراقي سابق قدم إلى ألمانيا في مقتبل العمر بعدما تقطعت به سبل الأمل في العراق بسبب سوء الأحوال السياسية وقلة فرص العمل. “ما دفعني إلى القدوم هنا، هو طبيعة ألمانيا بشكل عام والفرص الكثيرة المتوفرة، بعيداً عن النزاعات السياسية”، و يضيف مناف: “اليوم أملك علامة تجارية مسجلة بإسمي في ألمانيا بعد رحلة سنوات طويلة في اللجوء والدراسة والعمل”.
“تعلمت عدم الاتكال على أحد”
في سن 19 وعلى الرغم من رفض الأهل شد مناف سلمان الرحال صوب ألمانيا. عند وصوله إلى ألمانيا مكث الشاب 10 أيام في مطار فرانكفورت، أجرت الشرطة الألمانية معه عدة تحقيقات، استمر بعضها 10 ساعات متواصلة، “كان شعوراً مقلقاً وغامضاً، فقد أيقنت حينها أن قراري لا رجعة فيه وأن حياتي كلها تغيرت نحو المجهول” يصف مناف حالته.
أرسل بعدها إلى ملجأ في قرية صغيرة في جنوب غرب ألمانيا، “مكثت هناك 11 شهراً ولم يسمح لي بمغادرة القرية إلا بموافقة خاصة. كان الأمر جديداً وصعباً علي وعملت في أشياء مختلفة لكسب بعض المال لشراء الكتب”. في ذاك الوقت لم يكن طالب اللجوء يحصل على أي مساعدة مادية نقداً، وكان عليه شراء ما يحتاجه بقسائم. “ذهبت إلى متجر لشراء قاموس، ولم يكن في جيبي سوى القسائم التي أعطيت لنا، أحرجت كثيراً عندما بدأ الجميع ينظر إلي وخاصة بعدما اتصلت البائعة بمكتب المساعدات لتتأكد من السماح لي بالشراء، حينها لم أكن أتكلم الألمانية بعد وأحسست بالإحراج”.
هذا ما دفع مناف إلى العمل كمساعد بناء ومساعد حارس بأجور قليلة جداً في الساعة ليحصل على بعض المال. “هذا التغيير الكبير في حياتي، تعلمت منه الكثير وواجهت به الكثير، وتغير تفكيري وساعدني في تعلم الاعتماد على النفس ومواجهة مشاكلي لوحدي”.
عندما يكون الواقع أجمل من الحلم
بعد أربع سنوات من قدومه إلى ألمانيا بدأ مناف بتعلم اللغة على نفقته الخاصة والعمل على معادلة شهادة الثانوية. “كنت أراسل الجامعات الألمانية للاستفسار عن الدراسة والشروط المطلوبة”، ويضيف: “يجب أن أعترف بأني ارتكبت خطأ، باتكالي على معلومات كنت أسمعها من بعض المقربين والأصدقاء دون اللجوء إلى مكاتب الاستشارة والدوائر الألمانية، مما أفقدني كثير من الوقت والجهد”.
ولم تكن هذه هي النهاية فقد بدأ مناف مرحلة جديدة مع صعاب أكثر في خوض تجربة الدراسة والعمل في آن واحد. كان مناف يحلم في دراسة طب الأسنان، ولكن بسبب أخطاء ارتكبها في طلب التقديم على الجامعة، أضاع فرصة الحصول على مقعد دراسي في طب الأسنان. “اقُترحَ علي أن أدرس الأحياء كحل مؤقت للانتقال بعدها إلى طب الأسنان”. لكن مناف تفاجئ بإعجابه الشديد بالأحياء والتي أثارت اهتمامه وقرر التخصص في الكيمياء الحيوية، “فقدت الأمل كلياً في أن أكمل دراستي الجامعية في يوم من الأيام، وخاصة أن البعض كان يحبطني بقولهم أني كبرت في العمر ولا وقت لدي في الدراسة بسبب العمل”، يذكر مناف ويضيف أن الأمل عاد من جديد عندما بدأ أول خطوات الدراسة.
.
“بدأت المشروع بـ 150 يورو فقط”
لم تكن هذه الأحداث التي رواها مناف لمهاجر نيوز نهاية الصعاب التي مر بها، فحين تخرج من الجامعة بدأ العمل في شركة مختصة بالمواد التجميلية، وبعد سنتين من العمل هناك بدأ مناف بالتفكير في أن يكون وكيلاً لشركات ألمانية في العراق.” لم يكن ذلك بالأمر السهل فسبب الديون التي تراكمت أثناء دراستي الجامعية لم يكن لدي المال الكافي، وبدأت المشروع بـ 150 يورو فقط”، وبحث مناف حينها على وسيلة أخرى تتيح له الاستمرار في مشروعه وقام بالاطلاع على تسويق المنتجات عن طريق الأنترنت. “بعد بحث وجهد كبير قمت بإنشاء صفحة على الفيسبوك لعرض المنتجات في العراق على أمل إيجاد ممول يتكفل بشراء المنتجات مني”. لكن حتى بعد إيجاد ممول لم يصبح الأمر أسهل وأصبح ضغط الشركات أكبر وخاصة مع عدم التزام السوق العراقي بالكميات، “بسبب سوء الأحوال الاقتصادية في العراق لم يكن بمقدوري الاعتماد عليهم وخاصة عندما زادت الضغوطات من شركات الوكالة التي كانت تهدد بسحب الوكالات مني. عندها فكرت بتأسيس علامة تجارية خاصة بي”.
بعد الدراسة والبحث استطاع مناف تأسيس علامة تجارية خاصة به مستفيداً من تجاربه السابقة في التسويق الإلكتروني وفي عمله في شركة مواد تجميلية. “بحكم دراستي للأحياء قمت بتصنيع مواد للشعر بنفسي وأسست العلامة التجارية .Dr. Schedu Berlin. يجمع الاسم بين الحضارة الآشورية، واسم ثورها المجنح، والعاصمة الألمانية، برلين.
أبرز العقبات التي واجهته في هذه المرحلة التسجيل والحصول على شهادات وإجازات التصنيع. ويضيف مناف أن هدفه هو “تطوير مستمر للنفس وكسب خبرات في مجال الأعمال والنجاح به عن طريق بناء شركة ألمانية كبيرة داخل إحدى أقوى الدول الصناعية بالعالم”. ينصح مناف المهاجرين الجدد بتعلم اللغة بمستويات عالية، “فهي مفتاح الاندماج”، ويضيف: “اكملوا دراستكم مهما كبرتم فالعمر مجرد رقم”.